((كيف يسعى الليبيون لتفتيت وطنهم))
نُشر يوم 25/10/2015، مقال في موقع (RedState)، المؤيد للمحافظين (الحزب الجمهوري)، تتصدره مقولة نُسبت للسيدة هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الامريكية السابقة، ومرشح الحزب الديمقراطي الاقوي، للإنتخابات الامريكية القادمة، قد قالت فيها بأن: “الليبيون أغبى من أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم”. كما أتبعت ذلك، في مقابلة يوم الجمعة الماضي، مع السيد ريتشارد مادَّو (Richard Maddow) في معرض إستخلاصها للحالة الليبية، والتي أعتبرت ما تم فيها إنجازاً كبيراً لحكومتها، حيث قالت: “إنه من أكبر بصمات (أي أفعال) نظام القذافي الدكتاتوري السابق (على حد وصفها له)، أبان حكمه لليبيـا هي قيامه، بإفراغ جميع مؤسسات الدولة من فعاليتها، إلا أن هناك مجموعة من الليبيين كانوا ملتزمون وبكل قوة بالعملية الديمقراطية في البلاد، وقد نجحوا بعد أقل من سنة، من سقوط القذافي، في إتمام أول عملية إنتخابات في البلاد ، والتي كانت إنتخابت حرة وعادلة، وقد نجح فيها المعتدلون، الذين حاولوا تشكيل حكومة والتي كانت تُحرز تقدماً ، بالرغم من الدعم القليل جداً من مؤسسات الدولة، لكن هذه الحكومة لم تكن تعرف ماذا تطلب، ولم تتمكن من ترجمة الدعم والمساعدات التي تلقتـها من حكومتنا والاخرين، إلى تغييرات على الارض، لكن لا زالت هناك مجموعة ملتزمة جداً من الناس، يحاولون العمل علي حل الخلافات، خاصة بين الشرق البلاد وغربها، والتي كانت بارزة جداً منذ البداية”. وإن كنت أشك في أن السيدة كلنتون قد قالت ما نُسب إليها، إلا أن قولها هذا قد يلخص وجة نظر جزء من الإدارة الامريكية في النخبة السياسية الليبية، التي تعنيهم بما نُسب إليها.
ولنفهم أكثر ما حدث ويحدث في الحرب الاهلية الليبية (هكذا يصفها العالم)، دعونا ننظر ونقترب أكثر من بعض المحطات الرئيسية في هذا الصراع، حيث ومن ايامه الاولى خلص المشهد فيه إلى ثلاث سيناريوات، ففي شرق البلاد، الذي توحدت فيه كلمة ثواره، على ضرورة إسقاط النظام، نجح الثوار وفي غضون أيام قليلة في بسط كامل سيطرتهم عليه. أما في غرب البلاد، فقد تباينت الولاءات فيه، بين مؤيد للثورة ومؤيد للنظام، وحدث قتال شرس بينهما، أستمر لقرابة ثمانية أشهر، أنتهي بغلبة من مع الثورة، لكن هذا الانتصار كان باهض الثمن، فقد ترك جراح عميقة بين مناطق وسكان هذه الرقعة من ليبيا، لا زلنا نشعــُر بآثارها إلى يومنا هذا. أما جنوب ليبيا، فقد حُسب في معظمه كمؤيد للنظام، وقد كان آخر من تحرر من سطوته، أي بعد تحرير مدينة طرابلس، يوم 20/08/2011، مما أثر ذلك سلباً، ولأعتبارات أخرى أيضاً، على معاملة السلطة المركزية له.
إذا تمعنا النظر في تاريخ ليبيــا الحديث، فسنجد أنها كانت دولة واحدة و تخضع لسلطة مركزية في معظم أوقاتها، ولم يكن التقسيم الجهوي موجوداً تاريخياً فيها، إلا لفترة محدودة، أقتضته ظروف خاصة، هي نتائج الحرب العالمية الثانية، وظروف نشأة الدولة الليبيـة، (1945 إلى 1951 إلى 1963)، وهو إلذى تنبَّه الملك االسابق لخطورتة على وحدة البلاد، وقيامه تبعاً لذلك بتعديل الدستور سنة 1963م، وإلغاء النظام الفدرالي الجهوي. حيث أنه ومنذ العهد القرماللي، كانت ليبيا دول واحدة (1711 إلى 1835)، ثم العهد التركي الثاني (1835 إلى 1911) وإلى عهد الاستعمار الايطالي البغيظ (1911 إلى 1945 )، و إبان عهد النظام السابق (1969 إلى 2011 )، الذي أعتمد علي التقسيم الاداري و ليس الجهوي، حيث قسمت ليبيا إلى محافظات ثم بلديات ثم شعبيات، وهي جميعها تقسيمات إدارية تخضع للسلطة المركزية في طرابلس. وبهذا نجد أن زمن الحكم الموحد لليبيا في التاريخ الحديث هو قرابة 200 سنة، تخللتها فترة حكم جهوي أو فدرالي أستمرت 18 سنة فقط.
بعد نجاح الثورة، بدل أن تتحلى القيادة الليبية الجديدة بالحكمة وبعد النظر، وتسعى للم شمل الوطن، وترسيخ مفهوم الوحدة بين كافة مناطقه وسكانه بدون تمييز، والتي بدأ يظهر فيهم الشقاق، فقد قامت بعكس ذلك، فبدأت بترسيخ مفهوم الجهوية والمناطقية في مؤسساسات الدولة وهنا تكمن الخطورة. وقد شاهدنا ذلك واضحاً في تشكيلة أول رئاسة للموتمر الوطني العام المنتخب، حيث تم تنصيب رئيسه ليكون من شرق البلاد ونائبه الاول من غربها، وأكتفى الجنوب بمنصب النائب الثاني، هذا وقد إمتد هذا التقسيم الجهوي إلى تشكيلة الحكومة أيضاً، ليتم ترسيخ مبدأ الجهوية مرة أخرى، ولتعميق جذور الشقاق بين الليبيين أكثر وأكثر. ثم لتقفز الامور قفزة كبيرة لما هو أسوء، قام المؤتمر الوطني العام، بإصدارقانون إنتخاب هيئة إعداد الدستور على أساس جهوي صرف، وليعود بالبلاد إلى مرحة بداية تأسيس الدولة الليبية الحساسة، لكأنها كانت هي الاساس وليس إستثناء، فرضتها ظروف الحرب العالمية الثانية، حيث فرظت الظروف تنصيب أدريس السنوسي أميراً على برقة، بينما كانت فزان تحت الاحتلال الفرنسي، أما طرابلس فكانت تحت الادارة البريطانية المباشرة، بسبب وجود جالية إيطالية كبيرة فيها، فإقتضت ظروف البلاد وجود مرحلة إنتقالية، في عمر الدولة الوليدة أستمر فيها نظام الحكم فدرالياً، لمدة 13 عام، إنتهى بتوحيد الولايات الثلاثة في دولة واحدة مركزية. بمجرد أن بدأت هيئة الدستور عملها، عادت بنا إلى الوراء، وأتخذت فلسفة عمل مناطقية وجهوية، لترسخ مبدأ التقسيم، ويظهر ذلك في عملهم على تقسيم ثروات البلاد (النفط والغاز بالدرجة الاولى)، بنسب محددة، ووفق أولوية واحدة، وهي مناطق وجود هذه الثروات. وهنا تكمن خطورة الأمر، والتي ستشعل نار فتيل صراعات سوف لن تنتهي، فحدود ما يسمى بالاقاليم لم ترسم بعد، ولم يشار إلى ذلك في مشروع الدستور، بل تُرك هذا الباب مفتوحاً على مصراعيه، وكل طرف يرى أن تلك المنطقة أو هذه هي ملك له، ومثال ذلك حدود برقة الغربية، والتي كانت تتوقف عند قوس الاخوة فلليني في رأس لانوف، ذلك عبر تاريخ معروف منذ زمن بعيد، ممتد لألفان وخمسمائة سنة، أي منذ زمن الاغريق، وحتى زمن المملكة اللييبة، ولكننا اليوم نرى ونسمع بمن يطالب بحدود برقة، لتصل حتي الوادي الاحمر، علي تخوم مدينة سرت؟!
هذا وللعلم فإن المستعمر الايطالي أعتمد في بادئ الامر نظام الاقاليم في ليبيا لفترة وجيزة (طرابلس، برقة وفزان) ثم قام بإلغائه، ودمجه في مستعمرة واحدة تحت أسم ليبيــا، كذلك فعل الملك السابق والذي ما دفعه في حقيقة الامر لتوحيد مملكته هو بداية الخلاف بين الولايات الثلاث حول مواقع حقول النفط في منطة حوض زلة و جنوب سرت، وخوفه من تطور الخلاف إلى صراع لن تحمد عقباه.
خلاصة الامر، فإنه منذ إنطلاقة ثورة فبراير، أنتهج الليبيون فلسفة غير عقلانية في حل مشاكلهم، وهي أن تحل المشكلة اليوم و بأي طريقة كانت، ومهما كانت النتائج المستقبلية، لتصبح النتائج في معظمها مشاكل أكبر بكثير من الاولى، يصدمون بها بعد زمن، ويجدون أنفسهم عاجزين عن معالجتها، والامثلة على ذلك كثيرة، وقد ذكرت أحدها منذ قليل، وآخرها هو ما يدور الان في حوار الصخيرات، من حيث تقسيم رئاسة مجلس الدولة علي أساس جهوي، ومن حديث عن إعطاء مدن معينة ميزات على حساب مدن أخرى، كأن ليبيا ليست دولة واحدة يجب أن يتساوى فيها الجميع، وهذا كان أحد أهم أسباب ثورة مواطنيها، مما سيزيد الامور سوء و تعقيداً، أكثر ثم أكثر.
فهل صدقت أم كذبت السيدة كلنتون في ما نعتت به الليبيون؟… أترك لكم الاجابة.
التدوينة هل صدقت السيدة كلينتون في ما نعتت به الليبيون؟ ظهرت أولاً على صحيفة عين ليبيا.
تابعوا جميع اخر اخبار ليبيا و اخبار ليبيا اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق