تطوي تونس الاثنين عاما كاملا على الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي فاز فيها حزب نداء تونس العلماني بالأغلبية البرلمانية ومؤسسه الباجي قائد السبسي برئاسة الجمهورية دون أن تتمكن من حلحلة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل غياب خارطة طريق واضحة بشأن التعاطي مع مشاغل التونسيين التنموية والسياسية.
ولئن أعادت انتخابات خريف 2014 رسم ملامح خارطة سياسية جديدة بعد أن فاز حزب نداء تونس العلماني بأغلبية المقاعد البرلمانية على حساب حركة النهضة الإسلامية ومؤسسه الباجي قائد السبسي برئاسة الجمهورية على حساب منصف المرزوقي مرشح الإسلاميين غير أن تلك الخارطة لم تتمكن من تتوصل بعد عام كامل إلى تغيير جدري للأوضاع العامة بالبلاد.
وتشكلت في أعقاب الانتخابات حكومة ائتلافية بين علمانيين وإسلاميين يرأسها الحبيب الصيد الشخصية السياسية المستقلة في مسعى إلى “بناء ائتلاف حزبي قوي” قادر على توفير الإسناد السياسي اللازم للحكومة غير أن “تجربة” الائتلاف بدت متعثرة ومرتبكة في معالجتها لأهم الملفات التي تواجهها البلاد.
وخلال عام كامل بدت الحكومة مجردة من أي سند سياسي كفيل بتعزيز أدائها نظرا لاختلافات عميقة تشق الرباعي الحاكم، نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية وحزب آفاق تونس والإتحاد الوطني الحر.
وعلى الرغم من الجهود التي قادها الحبيب الصيد باتجاه الرفع من أداء حكومته إلا أن “هشاشة” الائتلاف الحاكم وغياب أي “تطابق” بشأن معالجة الملفات التنموية والسياسية ألقت بضلال سلبية على أداء الحكومة حتى أن غالبية التونسيين باتوا يؤكدون على أن أمور البلاد تسير في الاتجاه الخطأ.
وتساور الأوساط السياسية العلمانية مخاوف على خلفية “التقارب” بين نداء تونس وحركة النهضة وهو “تقارب” ضمن الأغلبية البرلمانية المطلقة في إطار “نوع” من البراغماتية السياسية تهدف إلى توفير الحد الأدنى من الاستقرار الحكومي بشكل خاص والاستقرار السياسي والاجتماعي بشكل عام.
وخلال الأسابيع الماضية “تفجرت” الخلافات بين الرباعي الحاكم وبدا وكأنه يقود “انتفاضة” ضد الحبيب الصيد على خلفية “التعيينات” في مواقع صنع القرار الإداري والسياسي حيث تسعى الأحزاب الائتلافية إلى “تقاسم” تلك المواقع بناء على ثقلها الانتخابي فيما يسعى الحبيب الصيد إلى تحييد مؤسسات الدولة عن الارتهان للتجاذبات الحزبية.
وتعمقت الأزمة السياسية بعد دخول حزب نداء تونس الذي يقود الحكومة في أزمة بين جناحه الدستوري، نسبة إلى الحزب الاشتراكي الدستوري الذي أسسه الزعيم الحبيب بورقيبة في الثلاثينات من القرن الماضي، و بين جناحه اليساري النقابي في صراع حاد على قيادة الحزب وهويته.
ويقول سياسيون إن تداعيات أزمة نداء تونس على الحكومة وعلى المشهد السياسي بصفة عامة تمثل خطرا على التجربة الديمقراطية الناشئة باعتبار أن النداء يعد القوة الانتخابية الأولى التي يراهن عليها التونسيون لمباشرة إصلاحات كبرى في تواصل مع المشروع الإصلاحي والحداثي الذي قادته دولة الاستقلال خلال الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
وإزاء الأزمة السياسية تحاول المعارضة وخاصة الائتلاف الحزبي اليساري “الجبهة الشعبي” القوة الانتخابية الرابعة تقديم نفسها كـ”قوة سياسية بديلة” للرباعي الحاكم حيث ما انفكت تشدد على أنه “رباعي فشل” في إطلاق مشروع إصلاحي كبير يستجيب لتطلعات التونسيين ويحشد القوى السياسية والمدني في خارطة طريق “توافقية” تكون كفيلة بالخروج بالبلاد من الأزمة.
ويسعى عدد من الأحزاب المعارضة وفي مقدمتها الحزب الجمهوري إلى توحيد جهود المعارضة وإطلاق “قطب سياسي ديمقراطي” بما من شأنه أن يمثل “قوة سياسية” قادرة على مواجهة “التقارب” بين النداء والنهضة والتخفيف من حدة الاستقطاب السياسي الناجم عن دلك “التقارب”.
غير أن محللين سياسيين يقولون إن الأحزاب السياسية المعارضة غير قادرة على “بناء قوة سياسية” تكون قادرة على مواجهة القوتين الانتخابيتين المتحالفتين ، النهضة والنداء، نتيجة تشتتها والاختلافات التي تشقها.
وأمام ضعف أدائها تدنت ثقة التونسيين في الأحزاب السياسية إلى 29 بالمائة فيما ارتفعت نسبة ثقتهم في مؤسسات الدولة إلى أكثر من 95 بالمائة.
وقاد ضعف أداء الحكومة إلى “حالة من التعثر” بشأن معالجة الأزمة الاقتصادية حيث لم تتعد نسبة النمو 1 بالمائة وبات الاقتصاد يقف على مرحلة “الانكماش” وهي مرحلة تسبق عادة مرحلة “الإفلاس” وفق تحاليل الخبراء.
ويطالب الخبراء الاقتصاديون الحكومة بمباشرة إصلاحات هيكلية في إطار نموذج تنموي جديد من أجل “إنعاش” الاقتصاد وتفعيل أداء مؤسسات الإنتاج وفي مقدمتها المؤسسات الصناعية التي تشهد ركودا خطيرا.
وألقت الأزمة الاقتصادية بضلالها على الأوضاع الاجتماعية حيث تدنى مستوى معيشة التونسيين يشكل لافت بما في دلك الطبقة الوسطى التي تآكلت شرائحها السفلى لتلتحق بالفئات الهشة والفقيرة.
ولم تتمكن السياسات الاجتماعية التي انتهجتها الحكومة من الرفع من القدرة الشرائية للمواطن التي تدهورت بنسبة 40 في المائة.
وعلى الرغم من الجهود التي قادتها وحدات الجيش وقوات الأمن لمكافحة الجماعات الجهادية ما زال ملف الظاهرة الجهادية يتصدر اهتمامات السلطات والقوى السياسية والمدنية في ظل تكرار الهجمات.
وشهدت تونس هجومين دمويين اثنين نفدهم جهاديون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية، استهدف الأول المتحف الأثري بباردو وسط العاصمة تونس في مارس الماضي وخلف أكثر من 70 ضحية بين جريح وقتيل أغلبهم من السياح الأجانب فيما استهدف الهجوم الثاني فندقا بمدينة سوسة السياحية في جوان الماضي وخلف 39 قتيلا و38 جريحا من السياح الأجانب.
وفي أعقاب الهجومين ركزت الحكومة على مكافحة الجماعات الجهادية ونجحت الحد من هجمات الجهاديين بعد أن تمكنت من تفكيك العشرات من الخلايا لكن الخطر الجهادي مازال قائما خاصة في ظل تردي الأوضاع الأمنية في الجارة ليبيا التي تحتضن مراكز لتدريب الجهاديين التونسيين.
وتسعى تونس إلى وضع إستراتيجية إقليمية تشارك فيها بلدان المنطقة من أجل التوقي والتصدي لهجمات الجهاديين وهي تقر بأن إمكانيتها العسكرية والأمنية محدودة الأمر الذي دفعها إلى التنسيق مع عدد من البلدان مثل الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية للرفع من أدائها في مكافحة الظاهرة الجهادية.
وإزاء استمرار الأزمة العامة حاولت تونس في أعقاب انتخابات خريف 2014 “فك” عزلتها السياسية عن عدد من البلدان العربية والأجنبية حيث قام الرئيس الباجي قائد السيسي الذي يخول له الدستور صلاحيات رسم دبلوماسية الدولة بزيارات شملت الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية ومصر والأردن في مسعى يهدف إلى إنعاش علاقات البلاد مع بلدان تربطها بها علاقات عريقة.
ويحذر مراقبون من أنه في حال استمرار الأزمة السياسية التي تعصف بالرباعي الحاكم وتداعياتها على الوضع العام بالبلاد فإن التجربة الديمقراطية الناشئة معرضة لـ”الاهتزاز” مشددين على ضرورة توفير الإسناد السياسي اللازم لحكومة الحبيب الصيد للرفع من أدائها.
التدوينة أزمة تونس تراوح مكانها بعد عام من الانتخابات ظهرت أولاً على صحيفة عين ليبيا.
تابعوا جميع اخبار ليبيا و اخبار ليبيا اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق