هل استسلمت الولايات المتحدة حقا للدب الروسي وهو يهجم على الشرق الأوسط بمثل تلك السرعة المفاجئة، فبدأت شمس امبراطوريتها بالمغيب؟ كان هذا السؤال الأكثر تداولا بين المراقبين وهم يرون واشنطن وهي أشبه بالعاجزة عن التصدي لـ”جرأة” الرئيس فلاديمير بوتين الزائدة عن اللزوم خاصة في سوريا.
وفي حين تسرع البعض في الإجابة بنعم والتأكيد على نهاية “الزمن الأميركي”، على الأقل بمبرر أن المنطقة العربية ونفطها لم تعد مهمة للمصالح الأميركية وأن واشنطن قد تخلت عن حلفائها العرب لفائدة العلاقة المتنامية مع إيران، كان البعض الآخر يعلق مذكرا بالقول المأثور “من يضحك أخيرا يضحك كثيرا، والعبرة بالخواتيم”، لاختصار وجهة نظره التي تقول إن واشنطن قد تكون دبّرت مكيدة لروسيا وألقت بطعم “سلبيتها” في الملف السوري ليبتلعه بوتين ويندفع بكل تلك السرعة، مورطا بلاده المنهكة اقتصاديا في حرب مجهولة النهايات، ومخاطرا باحتمال تكرار تجربة الاتحاد السوفييتي المريرة في أفغانستان والتي انتهت بتفككه بشكل مذل ومأساوي.
ويقول محللون إن الموقف الثاني قد يكون صحيحا بعض الشيء، فقط إذا اخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة تأسست في الأصل على “حلم”، كان هو العنصر المحدد في توسعها وتحولها الى امبراطورية لا يشق لها غبار، وأضحت في غضون قرنين قوة يهابها الجميع في العالم.
ويضيف هؤلاء “لذلك فليس من الوارد أن تتوقف الولايات المتحدة عن حلم الأجداد بسهولة، وتسقط بمثل هذه السرعة التي تشبه الخيال”.
وفي واشنطن تتوارد التقارير التي تؤكد أن الأميركيين قد بدأوا بعد في عكس الهجوم ضد روسيا على نحو يهدف لجعلها تدفع ثمن مغامراتها خارج حدودها وإعلانها المكشوف عن رغبتها في اللعب مع “كبار العالم”.
وتشير التقارير إلى أن وزارة الدفاع الأميركية “بنتاغون” وباقي الوكالات الحكومية الأميركية تعكف على دارسة اقتراحات من شأنها “رفع تكلفة الحملة العسكرية التي تخوضها روسيا في أوكرانيا وسوريا”، أي بتعبير أوضح استنساخ سيناريو إغراق الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان، لتنفيذه ضد روسيا.
وكان هذا السيناريو يقوم أساسا على خوض الحرب ضد الغريم السوفييتي بالوكالة، وذلك بتسليح مقاتلي “المجاهدين الأفغان”، والسماح للمقاتلين المتشددين بالقدوم الى الجبهة الأفغانية من كل حدب وصوب لقتال “الكفار” السوفييت. وفي النهاية اضطر الاتحاد السوفييتي للخروج من افغانستان مهزوما والأخطر من ذلك انه تفكك بعد نحو سنة واحدة من اعلانه الهزيمة في حربه هناك.
ويقول مراقبون إن البيت الأبيض يعتقد بقوة في أن تدخّل بوتين في سوريا سيجعله هدفا أكبر للمتطرّفين الإسلاميين، وسينهك قواته على نحو يجعله يضاعف المخصصات المالية لحرب استطاع اعلانها لكنه لا يستطيع إيقافها. وهو ما قد يجعل الحرب سببا مهما لدخول روسيا في أزمة مالية خانقة لا سيما مع تراجع عائدات أموال البترول.
وقال الناطق باسم البيت الأبيض جوش إرنست “في النهاية، الروس هم من يدفعون الثمن الأكبر.. المخاطر التي ستواجهها روسيا في سوريا ستكون أغلى ثمنا من أي رد ديبلوماسي يمكن للمجموعة الدولية القيام به ضد موسكو”.
وقال توماس فريدمان المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” والذي يعتدّ كثيرا بتحاليله وآرائه في الولايات المتحدة وفي العالم “إن مصير بوتين هو الغرق في سورية على كل حال”.
ويؤكد المحللون أن التفكير العام في البيت الأبيض أصبح يشي بأن الإدارة الأميركية أصبحت ترغب فعليا في رؤية بوتين يغرق في الأوحال السورية كما الأوكرانية، كثمن لسياساته.
ومن جهته بدأ السيناتور الجمهوري المخضرم جون ماكين عقد سلسلة من اللقاءات تهدف الى إقناع الإدارة الأميركية بضرورة تزويد “ثوار سوريا” بصواريخ أرض – جو محمولة على الكتف، المعروفة بـ”مانباد”.
وقال مقربون من ماكين انه ينوي عقد مجموعة من اللقاءات مع الضباط في وزارة الدفاع للوقوف على رأيهم في الموضوع.
كما ينتظر أن يعقد السناتور الجمهوري – بصفته رئيسا للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ – سلسلة من جلسات الاستماع التي تهدف الى دفع البلاد باتجاه تزويد المعارضة السورية بهذا النوع من الصواريخ.
وتضم المعارضة السورية مقاتلين من تنظيمات إسلامية متعارضة مع تنظيم الدولة الإسلامية مثل “جيش الإسلام” و”جيش الفتح” و”أحرار الشام” وهي مجاميع لفصائل اسلامية يمكن “السيطرة” عليها بواسط دول حليفة في المنطقة مثل السعودية وقطر وحصر مهامها بقتال قوات الاحتلال الروسي مع وعدها بالدعم العسكري الضروري اللازم وبان تحصل على موقع سياسي لاحقا في سوريا المحررة من القوات الروسية ومن نظام بشار الاسد ومن المليشيات الشيعية الموالية لإيران.
ويقول محللون إن السياسة الأميركية التي عرفت بشدة براغماتيتها لن تتوقف كثيرا عند المعطيات الأخلاقية لتعاملها مع جماعات إسلامية سورية عندما يتعلق الأمر برغبتها في إلحاق هزيمة كارثية بروسيا توفرت لها فرصتها بمغامرة بوتين في سوريا، والأهم عندما يكون خيار تأهيل “المجاهدين السوريين” هو الأكثر ضمانا لتحقيق هذه الهزيمة للقوات الروسية.
ويضيف المحللون إن الرئيس بوتين قرر بمفرده الحرب في سوريا وفرضها على الجميع في بلاده مع ما يعنيه ذلك من صعوبة تدارك الثغرات المحتملة في قراءته الشخصية للأوضاع المحيطة بقراره وصعوبة استشراف التطورات اللاحقة لهذه الحرب على نحو جيد، بينما لايمثل الرئيس اوباما إلا حلقة وقد تكون الاضعف في دائرة القرار الاميركي عندما يتعلق الأمر بقضية أمن قومي. وعلى هذا الأساس فقد لايبدو ضعفه وتردده في اتخاذ القرارات “الصحيحة” في الملف السوري دليلا على ضعف القرار الأميركي. وهو قرار (قرار أوباما) قابل للاستئناف والتصحيح في التوقيت المناسب وباسرع وقت مما تتصوره موسكو.
التدوينة الولايات المتحدة تخطط لأفغنة سوريا وإلحاق هزيمة مذّلة بروسيا ظهرت أولاً على صحيفة عين ليبيا.
تابعوا جميع اخبار ليبيا و اخبار ليبيا اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق