ليبيا الان

الجمعة، 2 أكتوبر 2015

آراء وأفكار الشيخ عبد السلام الأسمر فى ميزان الشريعه الإسلامية

كان متوسط القد الى الطول اقرب،جميل الصوره،يميل الى السمره، اسود العينين والحواجب والهدوب، وجهه كأنه يقطّر منه الدهن فى عينيه وسم وبهاء لاتمل من النظر اليه، فصيح اللسان عذب الكلام ويتعمم بعمامه بيضاء اوخضراء.

هذه سمات الشيخ عبد السلام الاسمرالخارجيه كما يسجّلها لنا الشيخ الاستاد محمد عز الدين الغريانى فى نهايه الفصل الاول من  كتابه المعنون اعلاه وباعتبارىليس فقط من مناصرى اقامه احتفالات المولد النبوى والحضره والضرب بالبنادير والذكر الجماعى وغيرها من البدع المحموده بل ايظاً الفنون والآداب عموماً باستثناء مايؤدى الى حرام منها فقد وجدتُ فى هذا الكتاب خير الادله وافضلها علىصحه معتقداتى واردت ان اعرضها على الجميع وخاصّةً على اصحاب الرآى الآخر للدين يعتقدون انهم افحمونا حجّه والجمونا اللسان وبالتالى الزمونا اتباعهم.

اولاً: الوجد وضرب البندير

يقول الشيخ الاستاد محمد الغريانى عن الوجد (انه صفه حاصله للنفس من سرور او حزن او نشاط او كسل وهو نتيجه لافعال الانسان واعماله)، م تحدّث عن صور الوجد فى القرأن (قوله تعالى “فلمّا رآينه اكبرنه وقطّعن ايديهن” فهذه الآيه تحدّثت عن الاعجاب الدى سيطر على النسوه وعن الغيبه التى حصلت لهن عن انفسهن عندما شاهدن جمال يوسف عليه السلام وبيّنت سيطره هذا الحال والوجد بهن حتى انهن قطّعن (جرحن يديهن وهن لايشعرن، وقوله عز من قائل “فتولى عنهم وقال يااسفى على يوسف” وهذه الآيه تحدّثت عن المحبّه المفرطه التى ملأت قلب يعقوب عليه السلام مما انسته السؤال عن ابنه الثانى ساعه ان اُخبر بفقده فلم يتأسف ولم يتحزن عليه لسيطره محبّه يوسف على قلبه وغيبته فيها) ثم يتحدث الشيخ عن حكم الوجد فيقول: (اذا كان الوجد بسبب مشروع كالذكر وتلاوة القرأن لاحرج فيه ولااثم على من يرد عليه اذا صدر عنه مايوجب العقوبه واللوم، قال الشيخ ابن تيميه: مايرد على القلوب مما يسمونه السكر والفناء ونحو دلك من الامور تغيب العقل بغير اختيار صاحبها فانه اذا لم يكن السبب محضوراً لم يكن السكران مدموماً بل معدوراً،فأن السكران بلاتمييز وماصدر عنه فى حال زوال عقله فهو فيه معدور،لأن القلم مرفوع عن كل من زال عقله بسبب غير محرّم كالمغمى عليه  والمجنون ونحوهما ولهذا لم سُئل الامام احمد عن هذا فقال: قرئ القرأن على يحى ابن سعيد القطان فغشى عليه ولو قُدّر لاحد ان يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحى ابن سعيد،فمارآيت اعقل منه،وقد نُقل عن الشافعى انه اصابه دلك وعلى ابن الفضيل بن عياض قصته مشهوره وبالجمله فهذا كثير لايُستراب فى صدقه قال ابن عطاء الله السكندرى فى حكمه: متى جاءت الواردات الآلاهيه اليك هدمت العوائد عليك،الوارد يأتى من حضره قهّار، لاجل دلك لايُصادفه شى الاّ دمغه.وقال الشيخ زرّوق: الواردات الالاهيه هى مايتجلّى للقلوب من المعارف التى تبرز عندها الحقائق فادا اوردت هذه الواردات على القلب لم يبقى فيه متسع لغيرها فتأخد بمجامعه وتستوى فى كليه العبد فينفث بها طوعاً او كرهاً لخلوه عما سواها،فادا دخل الرب القلب خرب مما سواه فلايتأتى له جرى مع المعتاد ولاتصرف بالاسباب).

ثم يُضيف الشيخ الغريانى (ويمكن الوقوف على رآى الشيخ عبد السلام فى حاله الوجد وفى كيفيه علاجها عندما يتحدث عن الوظيفه حيث يقول: ولاتزالون تدكرون حتى تظهر فيها الخمره وهى السكر والسكر هو الغيبه عمّا سوى الله عز وجل وعلامة دلك بيّنه لاتخفى على احد الا على اعمى البصيره ثم بعد ظهور خمرتها اضربوا البنادير وقولوا كلامى وتأملوا معناه ولاتضربوا البنادير الا بعد ان تظهر الخمره ولاتضربوها الا وانتم طاهرون واياكم ثم اياكم ان تضربوا البنادير لاجل طلب الدنيا فأن دلك يضركم مع الله مضره شديده ولاارضى بدلك ولاارضى عمّن يفعله ومن خالف فلايلوم الا نفسه) ثم يُحلل الغريانى الامر قائلاً (يرى الشيخ عبد السلام انه ينظر لصاحب الوجد بنظرين اولهما انه فى حاله استحواذ النشوه والفرح والسرور عليه وان علاج هذه الحاله والتعامل معها يتم بتعبير حركى –كلامى، يتم من خلاله استفراغ الحاله الوجدانيه وثانيهما انه غافل عمّا سوى الله من الموجودات الخارجيه.) ثم يتسائل الغريانى و يُجيب على تساؤله (:هل تُقر الشريعه الاسلاميه بضرب الدف فى حاله السرور؟ وماهى العلاقه بين هذا الضرب وبين الانفعالات النفسيه؟

ضرب الدف فى حاله السرور اصله حديث مسلم الدى روته عائشه والدى جاء فيه:دخل علىّ ابوبكر وعندى جاريتان من جوار الانصار تغنيان بما تقاولت به الانصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين فقال ابوبكر: ابمزمور الشيطان  فى بيت رسول الله؟ ودلك فى يوم عيد فقال رسول:ياابابكر ان لكل قوم عيداً وهذا عيدنا.وفى روايه اخرى “تغنيان وتضربان” وفى روايه اخرى “وفيه جاريتان تلعبان بدف”.

وهذا الحديث درسه الفقهاء فتوسعوا فى لفظ عيد الوارد فيه فادخلوا فيه مناسبات الاعراس ومناسبات الختّان واجازوا فيها ضرب الدفوف، وتوسع فيه فقهاء الصوفيه فادخلوا فيه السرور بنعم الله الوارده على القلوب كما فى قوله عز وجل “قل بفضل الله وبرحمته فبدلك فاليفرحوا”..

والشاهد ان الحديث الشريف السابق الدى رواهُ مسلم يقرأهُ رجل الفقه فيستنبط منه جواز ضرب الدف فى حاله السرور ويقرأهُ رجل الفكر فيأخد منه فلسفة تمييز يوم العيد على سائر الايام وتمييز هذه الامّه على باقى الامم  ويقرأهُ عالم النفس  فيرى فيه ان ضرب الدف والتغنّى بانجازات المسلمين وانتصاراتهم على اعدائهم بالامس بمثابه تطهير اذ عن طريقه سيتم تفريغ الانفعالات القويّه عند الاولاد بحيث يتمكنوا بعدها من التوافق مع المطالب الاجتماعيه بشكل افضل.

لقد سبق ائمه التصوّف وعلمائه علم النفس الحديث فى التنبّه الى اثر الحركه الفنيّه –ضرب الدف- فى التخلّص من استحواذ الانفعالات الوجدانيه وكان الشيخ عبد السلام لايستريح عند هيجان الحال واشتعال الوجد به الاّ بسماع الدف ويجب التنبّه الى ان فعل الشيخ عبد السلام الاسمر فى ضرب الدف –كما علمت –غير خارج على السُنّه ولاداخل فى البدعه باى حال).

ثانياً: الاحتفالات بالمولد النبوى

يقول الشيخ الغريانى (الاحتفالات بالمولد النبوى تعبّر عن ثلاث مبادى تعترف بها الشريعه الاسلاميه: المبدأ الاول ان النعمه تقابل بالشكر،بما ثبت فى الصحيحين ان النبى قدم المدينه فوجد اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ماهذا؟ قالوا: يوم صالح نجى الله فيه موسى وبنى اسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال: “انا احق بموسى منكم ” فصامه وامر بصيامه، ويستفاد من هذا الحديث –كما قال الحافظ بن حجر –فعل الشكر لله على مامنّ به فى يوم معيّن من اسداء نعمه او دفع نقمه ويُعاد دلك فى نظير دلك اليوم من كل سنه، والشكر لله يحصل بانواع العباده كالسجود والصيام والصدقه والتلاوه، واى نعمه اعظم من النعمه ببروز هذا النبى نبى الرحمه فى دلك اليوم وعلى هذا ينبغى ان يُتحرى اليوم بعينه حتى يُطابق قصة موسى فى يوم عاشوراء يقول العباس عم الرسول: انت لما ولدت اشرقت الارض واضاءت بنورك الافق فنحن فى دلك الضياء وفى النور.

ويقول الامام السيوطى: ينبغى ان يقتصر فيه على مايدل على الشكر لله تعالى من التلاوه والاطعام والصدقه وانشاء شى من المدائح النبويه والزهديه المحرّكه للقلوب على فعل الخير والعمل للاخره وامّا مايتبع دلك من السماع واللهو وغير دلك فينبغى ان يُقال ماكان من دلك مباحاً بحيث يقتضى السرور بذلك اليوم لابأس بالحاقه به وماكان حراماً او مكروهاً فيُمنع.

والمبدأ الثانى: يُعتبر المولد النبوى الشريف من اكبر النعم التى خص بها الله هذه الامّه وقد اشار صلى الله عليه وسلم الى فضيله هذا الشهر للسائل الدىسأله عن صيام يوم الاثنين فقال له: “ذاك يوم ولدتُ فيه” وتشريف هذا اليوم متضمّن لتشريف هذا الشهر الدى ولد فيه فينبغى –كماقال ابن الحاج – ان نحترمه حق الاحترام ونفضله بما فضّل الله به الاشهر الفاضله، لقوله “انا سيّد ولد آدم ولافخر” وقوله: “آدم ومن دونه تحت لوائى “وتشريف الازمنه والامكنه انما يحصل بما خصّت به من المعانى وماكان تفضيل ليله القدر على سائر الليالى الا بنزول الملائكه فيها.

المبدأ الثالث: كان النبى عليه الصلاة والسلام يخص الاوقات الفاضله بزياده فعل الخير فكان اجود الناس بالخير، لأن الجود فى الاوقات الفاضله يزيد فى الثواب،فاذا كانت هذه المبادى الثلاثه مسلّمه فى الشريعه الاسلاميه وكانت الاحتفالات بالمولد فى مجتمعنا تعبّر عن هذه المبادى الثلاثه فينبغى ان نحكم بجواز اقامتها ولكن يجب ان نزيل الشبهه التى تعلق ببعض الادهان وان نجيب عن سؤالين يعترض بهما المعترضون عن اقامه مثل هذه الاحتفالات وهما:

* ان النبى نفسه لم يفعل هذه الاحتفالات ولم يقم بها فكيف تحكمونبجوازها؟
* لم يثبت عن السلف الصالح انهم اقاموا مثل هذه المناسبات مع انهم خير خلق الله

اما السؤال الاول فقد اجاب عنه ابن الحاج رحمه الله فقال: ان المعنى الدى لاجله لم يلتزم عليه السلام شيئاً فى هذا الشهر الشريف انما هو ماقد عُلم من عاداته الكريمه فى كونه يريد التخفيف عن امّته والرحمه لهم لاسيما فيما كان يخصه، الا ترى الى قوله فى حق حرم المدينه: اللهم ان ابراهيم حرّم مكّه وانا احرّم المدينه بماحرّم به ابراهيم مكّه ومثله معه” ثم انه عليه الصلاة والسلام لم يشرع فى قتل صيده ولافى قطع شجره تخفيفاً على امّته ورحمة لهم، فكان النبى ينظر الى ماهو من جهته وان كان فاضلاً فى نفسه يتركه للتخفيف عنهم.

عدم فعل السلف  ليس دليلاً على عدم الجواز

يعترض بعض الناس على هذه الاحتفالات بأن السلف الصالح لم يفعلها وهم افضل الخلق عند الله فلو كان فيها الخير لعملوها لانهم احرص الناس على الخير كما قال الرسول “خيركم قرنى ثم اللدين يلونهم ثم اللدين يلونهم” والخير فى الاتباع والشر فى الابتداع والجواب على هذا الاعتراض بأن الحديث الدى يستدلون به لانص فيه على مايدهبون اليه وانما معناه ان الصحابه والتابعين وتابعيهم خير القرون فى التمسّك بمجموع ماظهر لهم من اوامر الشريعه سواء كانت الاوامر صريحه ام مستنبطه فهم فيما ظهر لهم خير من القرن الدى بعدهم فيماظهر لهم وهكدا التابعون مع تابعيهم وهكدا كل عام مع العام الدى بعده، وليس فى الحديث دلاله على ان الصحابه والسلف لايفوتهم شى من الفهم فى النصوص الدينيه التى يعلمونها،كيف وقد قال رسول الله “رُب مبلّغ اوعى من سامع “والمبلّغ –بفتح اللام –فى الحديث الشريف لايقتصر على القرون الثلاثه الاولى بل هو عام فى كل جيل الى ان يرث الله الارض ومن عليها،قال المهلّب: يؤخد من الحديث انه يأتى فى آخر الزمان من يكون له من الفهم والعلم ماليس لمن تقدّمه وان كان قليلاً لأن رُب موضوعه للتقليل وقال ابن رشد: رب حامل فقه الى من هو افقه منه،ومبلّغ حديث الى من هو اوعى منه. وقال ابن خلدون: الفضل ليس منحصراً فى المتقدمين وفضل الله يؤتيه من يشاء.

وخلاصة المسأله ان سماع القصائد التى فيها مدح لله ورسوله والتى سلّم بها الشيخ عبد السلام الاسمر وتسير عليها بعض الطُرق كالعيساويه فيما يُسمّى عندنا بالبغدادى واقامه الاحتفالات والولائم عند ختمه ليس فى كل هذا مايُخالف الشريعه الاسلاميه بل هو فى الحقيقه صوره حيّه وتعبير قوى عن محبّة الله ورسوله، اللهم الا امر المشاركه فى هذه الاحتفالات فلا يكون الا على سبيل التطوّع والاختيار،لاالفرض والالزام والطلب من الناس واحراجهم فمن رغب ان يُشارك من تلقاء نفسه بلا طلب فله عند الله الآجر العظيم ومن لايرغب فى المشاركه فليترك فى حاله.

سُئل الامام المحقق ابى سعيد ابن لب عن جماعه من المسلمين يجتمعون فى رباط على حافه البحر فى الليالى الفاضله يقرأون جزءاً من القرأن ويسمعون من كتب الوعظ والرقائق ماامكن، ويدكرون الله عز وجل بانواع التهليل والتسبيح والتقديس،ثم يقوم من بيهم قوّال يدكر شيئاً فى مدح النبى ويُلقى من السماع مايشوق الناس اليه وتشتاق سماعه من صفة الصالحين ونعت المتّقين وذكر الاء الله ونعمائه ويُشوّقهم بذكر المنازل الحجازيه والمعاهد النبويه فيتواجدون اشتياقاً لدلك، ثم يأكلون ماحضر من الطعام ويحمدون الله سبحانه ويُرددون الصلاة على النبى ويبتهلون بالادعيه الى الله فى صلاح امورهم ويدعون للمسلمين وامامهم ويفترقون على دلك فهل يجوز اجتماعهم على ماذكر ويُباح لهم او يُمنعون من دلك ويُنكر عليهم؟ ومن دعاهم من المعتقدين او المحبين الى منزله بقصد التبرّك فهل يُجيبون دعوته ويجتمعون معه على الوصف المدكور ام لا؟

فاجاب: وقفتُ على المكتوب بالاعلى ومجالس تلاوه القرأن ودكر الله تعالى هى رياض الجنّه كما جاء فى الحديث، وعنه عليه الصلاة والسلام انه قال “ماجلس قوم مسلمون مجلساً يدكرون الله فيه الا حفّتهم الملائكه وغشيتهم الرحمه وتنزلت عليهم السكينه وذكرهم الله فيمن عنده”

وقال تعالى “ياايها اللدين آمنوا ادكروا الله دكراً كثيراً”

وقال سبحانه “اللدين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم”

وقال فى الصدقات “اللدين يُنفقون اموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانيه فلهم اجرهم عند ربهم”

واما الانشاءات الشعريه فانما الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وقد قال تعالى فى شعراء الاسلام “الا اللدين آمنوا وعملوا الصالحات ودكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ماظلموا” ودلك ان حسان ابن ثابت وعبد الله بن رواحه وكعب ابن زهير وكعب ابن مالك لما سمعوا قوله تعالى “والشعراء يتبعهم الغاوون الم ترانهم فى كل واد يهيمون وانهم يقولون مالايفعلون” بكوا عند سماعها فانزل الله تلك الآيه عند عقبها واستثناهم فيها،وامّا من دعا طائفه الى منزله فتجاب دعوته وله فى دلك قصده ونيّته.

ثالثاً: الذكر والدعاء الجماعى

قال الامام ابن العربى: البدع والمحدثات فى الشريعه تنقسم الى قسمين  * محدث ليس له اصل الا الشهوه والعمل بمقتضى الاراده فهذا باطل قطعاً.

*محدث بحمل النظير على النظير فهذه سنة الخلفاء والائمه الفضلاء، وليس الدم لمجرد اللفظ محدث وبدعه ولالمعناها فقد قال الله عز وجل “مايأتيهم من ذكر من ربهم محدث” وقال عمرابن الخطّاب: نعمة البدعه هذه.. وانما يُدم من البدعه ماخالف السُنه ويُدم من المحدثات مادعا الى ضلاله.

من الاحاديث التى استدل بها على مشروعيّه الدعاء الجماعى ماخرجه الحاكم على شرط مسلم من طريق حبيب بن مسلمه الفهرى “لايجتمع قوم مسلمون فيدعوا بعضهم ويؤمن بعضهم الا استجاب الله دعائهم”.

وعدم دعا النبى بالجماعه مع وجود المقتضى للدعاء سببه عدم انتفاء المانع، دلك ان بقاء النبى كان من اسبابه انتظار خروج النساء اللواتى كنّا يخرجن مباشره بعد السلام كما قالت ام سلمه (فى صحيح البخارى)، فاذا كان سيدعوا بالجماعه بعد اذكاره فلن تخرج النساء انتظاراً لدعائه المستجاب وخروجهن بعده ربما كان سبباً لريبه ما،لأن الرجال قد فرغوا من الاذكار ومما يشغلهم عن النساء فتركه عليه السلام الدعاء بالجماعه رغم ما فيه من المصلحه الواضحه لخوف مفسده اعظم ومعلوم فى الشريعه ان درء المفسد مقدم على جلب المصالح وان الحكم يدور مع العله وجوداً وعدماً،فأن انتفت العله كحال مساجدنا اليوم فيستحب الدعاء الجماعى عملاً بحديث الحاكم الدى تقدم آنفاً.

فأن اعترض احدهم بما روى عن عمر ابن الخطّاب حين استأذنه احد الأئمه ان يدعوا بقومه فقال: لا لأنى اخشى عليك ان تنتفخ حتى تصل الى الثريّا “والجواب على هذا ان قصة عمر تؤيد ماسبق وتقوّيه، لأن ترك عمر الاستدلال بفعل النبى والتجائه للاجتهاد والتعليل يُشير الى ان ترك النبى للدعا الجماعى لايدل على منعه وكراهته ولو كان فيه دلاله لاستدل به لأن الشريعه علّمتهم حين تواجهه النوازل والوقائع ان يلتجؤ الى القرأن اولاً،فان لم يجدوا فالى السنه،فأن لم يجدوا فيها شيئاً اتجهوا الى الاجتهاد،ثم ان العجب المتوقّع يختفى عندما يكون الشى عادةً وعُرفاً وقد قال الفقهاء ان تغطيه الوجه فى الصلاه مكروه لأنه يدل على الكبر، اللهم الا اذا كان عادة البلد التنقّب وتغطيه الوجوه فلا يُكره لاختفاء التعليل المدكور، ونستخلص من كل هذا ان دعاء الامام بالناس بعد الصلاة جائز وهو من المواطن التى يُستجاب فيها الدعاء وقد قيل لرسول الله:اى الدعاء اسمع؟ فقال “جوف الليل ودُبر الصلوات المكتوبه” وليس هناك مايُعارضه من الاحاديث والآثار قولاً او فعلاً ورفع اليدين فى الدعاء جائز لقوله “ان الله حيى،كريم يستحى اذا رفع الرجل اليه يديه ان يردّها صفراً خائبتين” رواه ابوداوود والترمدى وحسنه واللفظ له،وابن ماجه وابن حبّان فى صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين).

ويقول الشيخ الغريانى فى موضع آخر من الكتاب (وردت كثير من الآيات القرآنيه والآحاديث النبويه والآثار فى طلب الذكر،وتفضيله على كثير من العبادات وفى جعله سبباً لتفريج الهموم والمدد بالاموال والبنين ودفع البلاء فهناك صيغ من قالها حفظه الله من الشيطان ومن الضر ومن لدغه العقرب، ومما استدل به على تفضيل الذكر على سائر العبادات،انه لم يرخّص فى تركه فى حال من الاحوال، اخرج ابن جرير فى تفسيره عن قتاده قال: افترض الله ذكره عند اشغل ماتكونون، عند الضرب بالسيوف فقال: “ياايّها اللدين آمنوا اذا لقيتم فئه فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تُفلحون” ورغّبت الشريعه الاسلاميه فى الاجتماع للذكر فقد اخرج مسلم ان رسول الله قال “ان لله ملائكه سيّاره وفضلاء يلتمسون مجالس الذكر.. الى قوله لايشقى بهم جليسهم”

ويُستنبط من هذا الحديث:  1 –جواز الاجتماع للذكر 2- تحقيق الامانى فى هذا الاجتماع كما فى الحديث السابق “ان لله ملائكه سيّاره.. واعطيتهم ماسألونى ” 3- ان هذا الذكر سبب للمغفره، اخرج احمد فى الزهد عن ثابت البنانى قال “ان اهل الذكر ليجلسون لذكر الله وان عليهم من الآثام امثال الجبال وانهم ليقومون من ذكر الله ماعليهم من شى” 4- ان هذا الذكر سبب للوقايه من النار 5- تعدّى بركه الاجتماع لمن حضر فيه ولو لم يكن من الذاكرين كمافى الحديث السابق “ان لله ملائكه سيّاره… ربنا ان فيهم عبداً خطّاء جلس اليهم وليس منهم،فيقول: وهو ايظاً قد غفرتُ له”.

يقول الامام الشاطبى: لم يكن من عمل الصحابه (يقصد الاجتماع للذكر) ولاالتابعين وكل مالم يكن عليه عمل السلف الصالح فليس من الدين، فقد كانوا احرص على الخير من هؤلاء ولو كان فيه خير لفعلوه “اليوم اكملتُ لكم دينكم” وقال مالك ابن انس: “فمالم يكن يؤمئد ديناً لم يكن اليوم ديناً وانما يُعبد الله بماشرّع”.

وهذه الفتاوى تعارض الآحاديث الصحيحه كحديث مسلم السابق وغيره التى جاء فيها الترغيب فى مجالس الذكر كقوله “غنيمة مجالس الذكر الجنة” وكل احد يؤخد من قوله ويُرد عليه الا صاحب القبر الشريف كماقال الامام مالك.

والاجتماع للذكر كان معلوماً عند الصحابه فقد اخرج الامام احمد فى الزهد عن ثابت قال: كان سلمان فى عصابه يذكرون الله فمر النبى فكفّوا فقال: ماكنتم تقولون؟ قلنا نذكر الله قال: انى رآيت الرحمه تنزل عليكم فاحببتُ ان اشارككم فيها،ثم قال:الحمدلله جعل فى امّتى من اُمرتُ ان اصبر نفسى معهم”.

وكراهيه الحسن البصرى والامام مالك سببها كما قال الشيخ احمد المبارك – ان علاج الاشخاص يختلف باختلاف الاوقات فقد كان الصحابه –رضى الله عنهم قبل الايمان على غايه البعد من الله ونهايه الصد عن سبيله، يفتخرون بسفك الدماء ونهب الاموال ويُراءون الناس بالاعمال ولاعمل من عملهم الا وهو مدخول وبالعله مردود ومعلول فلما آمنوا بنور الوجود وعلم الشهود صلى الله عليه وسلّم صدّهم عن الامور الدنيويه واقبل بهم على الله تعالى بالكلّيه وصارت اعمالهم كلها آخرويه وتولّى الله تأديبهم وتطهيرهم وتهديبهم حتى لو كشف لاحدهم الغطاء ماازداد يقيناً وحتى صار بعضهم كأنه ينظر الى الغيب من وراء ستر رقيق وحتى قال بعضهم: كأنى انظر الى عرش ربّى وهو بارز والناس فى موقف الحساب وحتى قال بعضهم: كأنى انظر الى اهل الجنّه وهم يتزاورون والى اهل النار يتعاوون، فكأنهم رضى الله عنهم –بين يديه تعالى فى المحشر يُعاينون الحساب والميزان مضروباً الى الجنان فصفت منهم الظواهر والبواطن، فالحاله الاولى عملهم والحاله الثانيه علاجهم، ولما انتهى الأمر الى التابعين –رضى الله عنهم –ولم يُصادفوا دلك النور العام فاتهم من الاقبال على الله بقدر مافاتهم من دلك النور فصاروا يستكثرون من الاعمال الصالحه والافعال الرابحه ولكن دون بصيره الصحابه، فلما رآى الصحابه دلك منهم جعلوا يُنبهونهم على ترك كل مايقدح فى كمال العباده وترك كل مزاحم لعظيم ثوابها فامروهم باخفاء العباده وكل مايقطع ماده الرياء والعمل لغير الله وحرضوهم على الاخلاص لله تعالى وعلى الزهد فى الدنيا ولذا لم يحفظ عنهم فى الغالب اجتماع للعباده ودلك لأن فائده الاجتماع هو التعاون على العباده، فينشط الضعيف ويتحرك الكسلان، وهم كانوا اقوياء فى طاعه الله،فمنهم من يُحيى الليل ومنهم من يصوم الدهر وهكدا حالتهم، لهذا هربوا من الاجتماع لمّا خافوا من علله وهكذا يكون علاج كل قرن بحسب مايقدح فى عبوديتهم.

فاما زماننا –نسأل الله السلامه – فعلتهم هو ترك الطاعه والهجران للعباده والانهماك فى الدنيا، غافلين عن امور اخراهم حتى كأن الموت فرض على غيرهم فقط، والنجيب من الناس الدى بلغ الغايه هو الدى يُحافظ على الصلوات المكتوبه، فهذه عله زمانناوعلاجها لايصح ان يكون مثل علاج التابعين فأن التوفيق لايقدر عليه الا الصارم ومن شاخ فى الطاعه وارتكب شاذها وفاذها بل علاجها يكون بتهوين الحاله وترتيب المقال وكل مايُعين على الطاعه مما ليس بمعصيه ينبغى تصويبه ودلاله العوام عليه، فمن اراد ان يمنع الناس اليوم من الاجتماع على الطاعه استدلالاً بكلام الامام مالك وقياساً على الصدر الاول من التابعين يُقال له: هذا قياس مع وجود الفارق فهو قياس فاسد واستدلال بارد وكيف يُمنع وقد رغّب فيه رسول الله فى عدد كبير من الاحاديث التى سبق ذكر بعضها (انتهى التلخيص من كتاب الشيخ الغريانى).

يتبيّن لنا بوضوح من الاحاديث الصحيحه الوارده فى هذا الكتاب ومن الملاحظات والاستنباطات اللطيفه الدكيّه لعلماء الصوفيه وشيوخها بما لايدع مجالاً للشك صحّه وسلامه ومصداقيه اقامة الاحتفالات بالمولد النبوى وموافقتها للشريعه الاسلاميه وكدلك الذكر والدعاء الجماعى وغيرها من البدع المحموده وهى محموده لأن الناس يحتاجونها حاجه ماسة فهى تجعلهم قريبين من دينهم ولأنه من الضرورى من الناحيه النفسيه والعصبيه الفضفضه والتعبير عن الانفعالات الداخليه بالحركات والاصوات الفنيّه وكلام الله،القرآن الكريم ليس بشعر ولاروايه ولاادب ولافن ولكنه يحوى كل هذه الفنون والآداب، ان ربنا استخدم كل الاساليب الادبيه والفنيّه التى يعرفها البشرفى كتابه لكى يجعله بليغاً ومؤثراً فى الناس والا فمن اين جاءته البلاغه؟ وقد ارسل الله بشراً رسولاً للبشر ولم يُرسل اليهم ملاكاً لأن الرسول البشرى يشعرويحس مع الناس ويعرف نقائصهم وعيوبهم كما يعرفها من نفسه اما الملاك فانه سيكون قاسياً جداً على الناس وسوف يُكلّفهم مالايُطيقون فأن اقوى البشر ليسوا بقوة الملاك على الطاعه والثبات لامر الله.

ونحن اهل هذا الزمان، وبالتحديد المؤمنين الملتزمين بالكتاب والسنّه، نحن من وصفهم رسول الله باننا اخوانه اللدين لم يُشاهدونه ولم يُعاينوا معجزاته ولم يعيشوا الزمن النبوى، دلك الزمن الدى جعل الصحابة اقوياء فى دينهم ولم يحتاجوا للذكر او الدعاء الجماعى او للاستمتاع بالآداب والفنون، لقد شهد لنا رسول الله بأن لنا امتيازاتنا عن صحابته لأننا لم نشهد ماشاهدوا ولم نعاين ماعاينوا ومع دلك نؤمن به ونجاهد فى سبيله كما ان خلافات بعض الصحابه واختلافاتهم آنذاك التى وصلت الى حد القتال فيما بينهم تدل دلاله واضحه على انهم ليسوا ارباباً ولاملائكه بل هم بشرممن خلق يُخطئون ويُصيبون كما ان مكانتهم وقوّة ايمانهم ليست دليلاً على ان الله لن يمنح احفادهم ولااحفاد احفادهم ولااهل العصور المتأخره اية مواهب ولاقدرات على الاستنباط والاجتهاد.

واحب ان اضيف اخيراً كلمة للدين يقولون بتحريم كل الطرب والغناء الدى يتعلق  بالحديث عن علاقه الرجل والمرأه (الحب) بحجّه انه يؤدى الى خروج الناس عن طورهم وعقولهم وارتكابهم من السلوكيات مالايمكن ان يفعلوه فى احوالهم العاديه، احب ان قول لهم ان هذا لاينطبق على كل الناس بل على القليل منهم ويمكنهم مشاهده جمهور حفلات الفنّانه ام كلثوم (يرحمها الله) وهى من اقوى واجمل الاصوات العربيه المطربه فى عصرنا هذا فبعض القنوات الفضائيه تعيد عرض هذه الحفلات باستمرار، ويمكنهم ملاحظه رصانه هذا الجمهور ورزانته رجالاً ونساءاً واستماعهم الهادى وهم فى غايه الاحترام والادب والدوق رغم انهم يستمعون لاقوى واجمل الاصوات العربيه تنطق بكلمات الحب النظيف العفيف تصحبها اجمل الالحان يؤديها احسن العازفين المعروفين، شخص او اثنين فقط قد يرتكبون بعض الحركات التى تدل على الخروج عن طورهم، مثل الوقوف والصياح بصوت عالى “عظمه على عظمه على عظمه ولكن حتى هذا الخروج عن الطور(الوقوف والصياح) لايُخرج صاحبه عن الدين او الاخلاق ابداً.. اقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم.

التدوينة آراء وأفكار الشيخ عبد السلام الأسمر فى ميزان الشريعه الإسلامية ظهرت أولاً على صحيفة عين ليبيا.



تابعوا جميع اخبار ليبيا و اخبار ليبيا اليوم

0 التعليقات:

إرسال تعليق