في الوقت الذي تقترب فيه ليبيا رويداً رويداً نحو إنجاز إتفاق سياسي طال انتظاره، وتشكيل حكومة توافق وطني، تقع المسؤولية على عاتق المجتمع الدولي الذي ساعد الليبيين للوصول لهذا الاتفاق السياسي المبني على تدابير لصنع السلام للاستمرار بلعب دور المعين لليبيا على المدى الطويل، لكي يتحقق السلام الفعلي وتتاح الفرصة العادلة للشعب الليبي لينعم بثمار إعادة بناء بلده.
ولعل التجارب الموثقة في حالات اتفاقات السلام التي تلي النزاعات تشير إلى وجود مخاطر كبيرة تهدد بنسف هذه الاتفاقات خلال السنة الأولى من عمرها، خاصةً إذا ما كانت إدارة التوقعات الوطنية والدولية ذات السقف العال تواجه صعوبات على المدى القصير، كما هو الحال المتوقع عند استلام حكومة التوافق الوطني لمهامها. وبالتالي إنعاش الحياة الاقتصادية ككل وتحفيز النشاط الاقتصادي على المستوى المحلي بالمدن والمناطق، في أسرع وقت ممكن، بإمكانه تحقيق الكثير على درب تأمين السلم خلال السنة الأولى في ليبيا بعد انتهاء الصراع الحالي. ولكن التركيز المفرط على الترتيبات الأمنية من شأنه أن يؤدي إلى حرمان هكذا مبادرات اقتصادية ملّحة من دائرة الاهتمام والموارد القيّمة التي يحتاجها الاقتصاد الليبي المتجّه نحو الانهيار. إنه لمن الأمثل أن تستغل المحفزات الاقتصادية فقط عند الحاجة لدعم الحلول الأمنية الآنية مقابل تحقيق الاستقرار، وهو ما يمكن أن يصبح جزءاً من مقاربة أوسع لانفاذ الأمن وعودته لشكله الاعتيادي بدرجة معقولة.
ويبدو واضحاً أن هكذا مهمة كبرى تعتمد على مدى جاهزية الهياكل الاقتصادية الوطنية والإدارة العمومية لتنفيذها، وهو ما يبدو غير ممكناً في ظل ما عانته الهياكل الاقتصادية والإدارة العمومية تحت حكم القذافي واستمر انحدارها بسبب الصراع الحالي. وبالتالي هذه الثغرة تعتبر دلالة على الاحتياج البيّن للمساعدة الدولية أمام تشكيل حكومة التوافق الوطني. وعليه يتوجب على هذه الحكومة أن تتبنى هذه المهمة بمجرد استلامها لمهامها للحصول على المساعدة الدولية وفقاً للمعايير التالية: 1) الممارسات الدولية الجيدة، 2) الخبرة الدولية الموثقة في أوضاع ما بعد الصراعات، 3) الموقف المتزن نحو جميع الأطراف الليبية طوال فصول الصراع الحالي. إن ليبيا ينقصها القاعدة المهارية المهمة للعديد من القطاعات الاقتصادية، وهو ما يعتبر مجالاً مناسباً لتقديم المساعدة الفنية وترتبط بشكل مباشر من الناحية الاقتصادية بسوق العمل. كما أن إطلاق مبادرات اقتصادية تعتمد على خلق جيوب من ما يمكنني اصطلاحه “الطلب الذكي” على السلع والخدمات ومن ثم تلبيتها “بالعرض” المجهّز ليبياً يمكن أن يلبي هدف الإنعاش الاقتصادي وطنياً ومحلياً. ولكن الخطر المحدق حيال الاستعانة بالمساعدات الدولية وهو ما يجب أن تتنبه له الحكومة الجديدة هو الوقوع في فخ “الخبراء” ممن يرون في اعتمادهم على حقائب السفر والمطارات والتنقل المستمر وسيلة لتقديم خدماتهم، أو شركات الاستشارات التي تدعي القيام “بكل شيء وأي شيء”، وهو ما أربك هذا الجانب المهم من دعم المجتمع الدولي طوال السنوات الثلاثة الماضية – وبالتالي لننتبه هذه الكرّة!.
كلمة أخيرة أسديها كنصيحة، بأنه ينبغي على الحكومة المرتقبة أن تسكن فقط للدول والمؤسسات الدولية وحتى الشركات العالمية التي كانت على درجة عالية من الحياد والنزاهة في التعامل مع الصراع الدائر في ليبيا، فهؤلاء فقط مؤهلون لتقديم المساعدة الفنية العاجلة والمأمونة الجانب لهذه الحكومة باعتبار إيلائها مصلحة ليبيا اهتماماً جديراً ضمن حساباتها، وأخيراً أقول بأن عامل الوقت سيكون أكثر الموارد ندرة وقيمةً أمام حكومة التوافق الوطني.
أحمد المبروك صافار
سفير ليبيا في روما
التدوينة صافار: الحكومة الجديدة يجب أن تسعى للحصول على مساعدة المجتمع الدولي ظهرت أولاً على صحيفة عين ليبيا.
تابعوا جميع اخبار ليبيا و اخبار ليبيا اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق