عشية لقاء الصخيرات تلهج قلوب ملايين الليبين إلى الله بالدعاء في هذا الشهر المبارك، أن يتمكن الفرقاء السياسيون من التعالى على الجراح والعبور بالبلاد إلى بر الأمان، واستشراف مرحلة جدية تبنى لأول مرة على التوافق. الليبيون كلهم أمل أن يطوي هذا التوافق صفحة مؤلمة من تاريخ ليبيا الحديث، ويفتح أخرى تنهي الإنقسام وتضمد الجراح وتجبر الضرر.
من أجل ذلك يأمل الليبيون أن يتجاوز المجتمعون الشكليات ويمضوا قدماً نحو التوقيع على وثيقة الإتفاق السياسي الليبي خاصة بعد أن تحددت نقاط الخلاف.
(1)
لقد تم تجاوز العقبة الكأداء المتعلقة بالشرعية. فهناك ثلاثة تفسيرات لهذه المعضلة جعلت تجاوزها أمر حتمياً للوصول إلى إتفاق.
يرتكز الأول على أن مجلس النواب بطبرق يرى أنه تم انتخابه من قبل الشعب، وبذلك فهو الجسم الشرعي الذي لا تملك المحكمة العليا إزالة هذه الشرعية عنه، فالشعب مصدر السلطات. وهذا ما ذهب إليه المجتمع الدولي في الحالة الليبية حيث مال إلى القول بأن نتائج الانتخابات لا يمكن تجاوزها.
وهناك التفسير الثاني لذا المؤتمر الوطني العام بطرابلس والذي يرتكز على أن أحكام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا ألغت كل ما ترتب على الفقرة التي انتخب على أساسها البرلمان، وحكمت بعدم شرعيتها، وبالتالي جعلت مجلس النواب منعدماً كما فعلت المحكمة الدستورية بجمهورية مصر العربية حينما حلت مجلس الشعب المصري في سنة 2012م.
المجتمع الدولي دافع عن الانتخابات في الحالة الليبية ومال إلى السماح بتجاوزها في الحالة المصرية وفقاً لحساباته الخاصة. لكنه في نهاية المطاف مال إلى تفسير ثالث دون أن يعلن عنه؛ وهو أن الواقع على الأرض يشير إلى عدم وجود شرعية تبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي.
لذا؛؛؛ جاء الحوار لتجاوز هذه المعضلة، من أجل رسم ملامح مرحلة جديدة تسمح بتشكيل حكومة وفاق وطني قادرة على مواجهة التحديات، وفي ذات الوقت تنشئ واقعاً جديداً ينهي الانقسام طبقاً لاتفاق يلزم الجميع.
هذا الواقع الجديد، من وجهة نظر مجلس النواب بطبرق، استمرار للشرعية التي يرى أنه يملكها بموجب انتخابات يونيو 2014م، وبالتالي فإن هذا الواقع ينبغي أن ينشأ بتعديل دستوري ثامن يقوم هو بإصداره، وفقاً للإتفاق السياسي الليبي الموقع عليه من الطرفين.
بينما يرى المؤتمر الوطني العام بطرابلس أن هذا الواقع الجديد، سيتم إنشاؤه بتعديل دستوري يصدره المؤتمر وفقاً لذات الوثيقة؛ أي الاتفاق السياسي الليبي الموقع عليه من الطرفين، واستناداً على الأحكام الصادرة من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.
لا بأس بأن يكون لكلٍ فهمه، وعلى أساس هذا الفهم، يقوم كل منهما بإصدار التعديل الثامن وفقاً للإتفاق السياسي الليبي الموقعة من قبل الطرفين، وبذلك يكون لدينا تعديلين.
(2)
مهما يكن من أمر فإن الأرضية الدستورية لتشكيل حكومة الوفاق الوطني قد توفرت بصدور التعديل الثامن للإعلان الدستوري في نسختيه؛ بالرغم من أن إحداهما غير دستورية، ولكن بالتأكيد فإن لدينا تعديلاً دستورياً يسمح بتشكيل الحكومة، ويخول مجلس النواب في أول جلسة له، بعد دخول الاتفاق السياسي الليبي حيز النفاذ، بتكليف رئيس الحكومة ونائبيه بتشكيل الحكومة، ومن بعد يمنحها الثقة طبقا لنصوص هذا الاتفاق.
لا مفر من التأكيد على أن أعضاء مجلس رئاسة الوزراء؛ (الرئيس ونائباه ووزيرا دولة) يجب أن يكونوا على درجة عالية من الكفاءة، وذوي شخصيات قوية، وقدرة على اتخاذ قرارات صعبة.
لا بأس من أن يتم اختيار رئيس الوزراء أو أحد نوابه من التكنوقراط الذين ينطبق عليهم قانون العزل السياسي، بشرط ألا يكونوا مطلوبين للقضاء، وذلك من خلال استثنائهم من قانون العزل السياسي إلى أن يعاد النظر في القانون بناء على معطيات الواقع الجديد.
وهناك عدد من الآليات يمكن أن يتم بها اختيار أعضاء مجلس رئاسة الوزراء الخمسة ؛ فمثلاً يمكن أن يسمي كل طرف نائباً لرئيس الوزراء ووزير دولة، ويتم اختيار شخص رئيس الوزراء بالتوافق.
كما يمكن أن يسمي أحد الأطراف رئيس الوزراء ووزير دولة، ويسمى الطرف الآخر النائبين ووزير دولة. وآلية ثالثة أن يتم التوافق على شخص رئيس الوزراء ويقوم هو بالتشاور مع الأطراف على باقي أعضاء مجلس رئاسة الوزراء لضمان الإنسجام بين أعضاء المجلس.
وفي كل الأحوال لكل طرف حق الاعتراض المبرر على ترشيحات الطرف الأخر، على أن يراعى معيار التوازن الجغرافي في الخمسة.
(3)
المسودة الرابعة تنص على تأسيس مجلس أعلى للدولة يتكون من 90 عضواً من المؤتمر الوطني العام بطرابلس طبقاً لانتخابات 2012م، يضاف إليهم 30 عضواً من الشخصيات ذات الحضور. وفي الوقت الذي يرى فيه المؤتمر بطرابلس أن يحل بوضعه الحالي محل المجلس الأعلى للدولة، يرى مجلس النواب بطبرق أن يكون نصف التسعين من المؤتمر الحالي والنصف الآخر من أعضاء المؤتمر المقاطعين. وهناك رأي رابع بأن يتكون مجلس الدولة من أعضاء المؤتمر الحاليين وينضم إليهم المقاطعون من أعضائه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الواقع يشير إلى وجود طرفين لا يثق كل منهم في الآخر، وأنه من المهم أن يكفل الاتفاق الضمانات اللازمة التي من شأنها أن تجعله يقبل بالاتفاق ويوقع عليه حتى لا يتعرض الحوار للفشل، لا قدر الله.
(4)
لطالما قلت، وأكرر أن الجسم الذي يجب أن يعاقب لا أن يمدد له؛ هو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور لتخاذلها وعدم إسراعها بإصدار الدستور.
وأعود وأجدد الدعوة إلى فتح نافذة سلمية للنظام السابق من خلال توسيع عدد أعضاء الهيئة التأسيسية إلى تسعين، بإضافة ثلاثين عضواً، يتم اختيارهم من الليبيين بالخارج، بشرط ألا يكونوا مطلوبين للقضاء أو ممن أوغلوا في دماء وأموال الليبين.
ملاحظة: أصدر المؤتمر الوطني العام تعديلاً ثامناً بخصوص تعديل المادة الأولى من الإعلان الدستوري. لذا يكون تعديله القادم هو التعديل التاسع، ولكن لا يخفى على القاري الكريم المقصود من عنوان المقال.
التدوينة التعديلان رقم 8 للإعلان الدستوري ظهرت أولاً على صحيفة عين ليبيا.
تابعوا جميع اخبار ليبيا و اخبار ليبيا اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق