ليبيا الان

الاثنين، 7 سبتمبر 2015

لماذا اعترف “عارف النايض” بصحة التسجيل رغم خطورته؟

عارف النايض

عارف النايض

سليمان الفيتوري – برمنغهام – المملكة المتحدة “توقع أن لديهم تسجيلات أخري، ربما أسوأ من هذا، أن يكتشف الناس أنك إرهابي وقاتل، تبقي أهون من أن يعرفوك ك كاذب أيضا”.

تلك هي النصيحة الذهبية التي يفترض أنها أسديت للنايض وهو يقلب أمره حائرا أياما ثلاثة قبل أن يحسمه معترفا بصحة التسجيل للمكالمة له يظهر فيها بوجهه الحقيقي، قاتل يحرض علي العنف والقتل.

لكن المناورة بادعاء أن التسجيل “ممنتج” ولم يفهم القصد منه تبدو ركيكة وأقل ما يقال عنها أنها عذر أقبح من ذنب، وهي دليل علي ارتباك أحاط بنايض إزاء تاريخ واسع من التآمر لابد أن نايض أجري فيه مكالمات كثيرة من دون التحرّز من طرف ثالث يسجل، ما يعكس قلة الفطنة والذكاء، لأن التسجيلات وقعت مع رئيس أكبر دولة عربية وسببت له حرجا كبيرا ونالت منه، فتكنولوجيا اعتراض المكالمات الهاتفية واختراق الإيميلات تطورت كثيرا وصار لها خبراء كبار في كل بقاع الأرض.

يأتي إطلاق التسجيل في وقت بالغ الحساسية لنايض إذ يطرح نفسه مرشحا لرئاسة حكومة التوافق في ظروف توتر وتمزق يعصف بالبلاد علي كافة الصعد والمستويات، ما يعني أن المعركة علي موقع رئيس الحكومة قد حمي وطيسها مبكرا، ولا نتوقع منه سحب ترشحه وأيضا لا نتوقع أن البرلمان سيعيد النظر في ترشحه أو علي الأقل تقوم الحكومة بالتحقيق معه لتقف علي الحقيقة في أمر يمس أحد دبلوماسييها، لكن بات في حكم المؤكد أن حظوظ نايض في منصب رئيس الحكومة قد تهاوت إلي ما دون الصفر بعد فضيحة التسجيل، بل حتي عرش السفارة، الذي ناله بالقربي لا بالكفاءة والجدارة، أمسي يهتز تحته ولن يكون سقوطه بعيدا.

الأفدح من كل هذا ولم يدركه نايض بعد وهو تحت وطأة تداعيات الصدمة لم يزل، أن تحريضه علي العنف والقتل ينسف كل ادعائه للتصوف، ويفتح باب الشك في صحة نيله لشهادة دكتوارة في علم مقارنة الأديان، ذلك لأن كل الأديان والشرائع، حتي الوضعية التي اخترعها البشر وتطورت صياغتها عبر القرون تحرم علي الإنسان فعل القتل وتستنكره وتدينه وتسن له أغلظ العقوبات، فكيف لمن أنفق سنوات منكبا علي دراستها أن يخطر بباله خرق أول الوصايا التي ألقت بها السماء علي النبي موسي في نجوى الوحي عند الجبل!!

أما التصوف فهو مسلك العارفين بقذارة السلطة كونها من موجبات التسلط بما فيه من نزوع لإيقاع الأذي بالناس ولو عرضا من غير قصد، ويدفع ثمنا باهظا من عذاب الضمير من توقعه السلطة في ظلم إنسان مخالفا منهجه اللين المحترس من التجاوز.

لقد عاني عمر بن عبدالعزيز كثيرا، بسبب جلده لعروة بن الزبير حتي مات من التعذيب، حين كان واليا للمدينة، وكان يهذي باسمه لما أصابته الحمي قبل وفاته بأيام، ومعروف عن عمر سلوكه الزاهد المتوشح بالتصوف عقب توليه الخلافة بعد سليمان بن عبدالملك، وكان المتصوفة الهنود يتوكأون علي عصي بطرفها أسمال بالية يمسحون بها الطريق أمامهم خشية دهس نملة أو أي دابة تسعي من خلق الله.

يمقت المتصوفة السلطة ويفرون منها كما يفر الإنسان من بلد الطاعون، بل ويهتز يقينهم إن اقتربت منهم بشكل عرضي وحققت لهم منفعة، قالت متصوفة عربية شهيرة: كنت أخيط ثوبي علي مشاعل السلطان العابرة للطرقات ففقدت قلبي أياما ولما مزقت الثوب عاد لي قلبي، لعل التصوف الذي يدعيه نايض هو التصوف الشعبي المعروف بالحضرة الصوفية، وهو دروشة ألحقت بالتصوف في عصور متأخرة بمنأى عن ما رأه متصوفة كبار مثل مولانا جلال الدين الرومي من إنجذاب لإيقاعات الكون وانسجام حركته، فمظاهر الحضرة المعاصرة كالرقص علي إيقاع الدفوف وترداد الأناشيد والذكر إنما تعكس نزوع الإنسان إلي الطبيعة في بدائيتها الأولي حين كان يوقد نارا عظيمة تلتف حولها الحشود وترقص وتضرب بأقدامها علي الأرض، ويتصاعد الوجد إلي حد فقدان الشعور بالحرارة الحارقة، وهي طقوس مارسها الإنسان البدائي لأغراض متعددة منها السحر، إظهار فروض العبادة لأرواح الأسلاف، وتوسل لجلب الخصب والمطر وغيرها، ماتزال تمارسها بعض القبائل البدائية في مجاهل أفريقيا وحوض الأمازون، وقد ذكرها العلامة فريزر في مؤلفه الغصن الذهبي.

يبدو أننا ابتعدنا كثيرا عن موضوعنا الأصلي، ولكن تبيان التصوف الحقيقي ولو بشكل مختصر كان ضروريا لأنه مسلك لا يلتقي مع السلطة مطلقا، وأحيانا يصطدم معها وتضحي السلطة بالمتصوف إرضاء للعامة أو إذا أحست بالخطر منه شطحاته كما فعلت مع الحلاج.

تقول حكمة بليغة. تستطيع خداع بعض الناس بعض الوقت، ولكن يستحيل أن تخدع كل الناس كل الوقت، ولعل أسوأ أن أنواع الخداع هو إدعاء التصوف من دون معرفة بمسالكه ومراتبه، بمشقته ومكابداته.

التدوينة لماذا اعترف “عارف النايض” بصحة التسجيل رغم خطورته؟ ظهرت أولاً على صحيفة عين ليبيا.



تابعوا جميع اخبار ليبيا و اخبار ليبيا اليوم

0 التعليقات:

إرسال تعليق